أفاقة الطوفان
و وقفت أمامه و تمسكت بسور الدرج و هي تطالعه بحب ليسرع هو قائلا بنزق
_ بقولك إيه وسعي خليني انزل تعالى يمين كده ولا شمال عاوز أنزل وإنتي قفلتي السلم
سبلت مي عيناها وهي تقول
_ متسربع على إيه الدنيا مش هتطير
لاحظت فقدان صبره و ضيق عينيه فإعتدلت في وقفتها و سألته بتلهف
_ صحيح كنت عاوزة أسألك هو أدهم راجع فعلا و لا دى إشاعات
_ أيوة راجع الحمد لله وسعى بقا ولا هنط من فوقك
تعلم انه لا يحبها و لكنها منذ نعومة أظافرها لم تشعر بأحد غيره رجولته و جماله الهادىء دمه الخفيف كحالها فرغم فظاظته بأوقات إلا أنه بأوقت آخرى يكون حنون بشكل يأسرها
طأطأت می رأسها وقالت بحزن مفتعل و هي تفرك أناملها
تطلع لتمثيليتها الساذجة و رد عليها ببرود
_ وسعى يا مي أحسن ما أشوطك أرجعك الإستاد
تاني
ضحكت على مزحته وقالت و هي تتعمق بعينيه
_ ماشي کده بتتريق عليا یا سانسونتی على قلبي زي العسل والشوكولاته كمان
مط ياسين شفتيه وقال بسخرية
تنهدت بدلال و هي تبتعد من أمامه و قالت
_ حاضر هوسع و هسيبك تنزل بس هستناك ما تتأخرش
لوح لها بيده و هبط الدرج و قال بسخرية
_ أنا هبات برة النهاردة يالا على قفصك يالا
تطلعت مي لآثره بتنهيدة ملتاعة بينما تابع هو هبوطه بوجه ممتعض و جبهة مقطوبة و فجأة عادت جبهته لطبيعتها و اختفي التجهم و علا وجهه ابتسامة هدئة و لا أخفيكم سرا لقد كانت عينيه تشع قلوبا حمراء كأفلام الرسوم المتحركة
عدل من ملابسه و رفع ياقه قميصه و تنحنح كي يطمئن بأن صوته مازال موجودا و لم يختفي كحال دقات قلبه و قال بنبرة خاڤتة
_ ليلي
تركت ليلي حقيبتها و رفعت رأسها بسرعة ناحية الصوت لتطير معها شعراتها الصفراء و عقل ذلك المتابع لها فاغرا فمه و يكاد لا يتنفس
_ ليلى عندنا يا مرحبا يا مرحبا البيت نور
اتسعت ابتسامة ليلي وقالت و هي تعيد حقيبتها لكتفها
_ های يا ياسين إزيك
وقف امامها و وضع أنامله خلف أذنه و قال متصنعا عدم السمع
بمداعبة
_ ها إنتي قولتي إيه !
_ قولت های !
طالعها قائلا
_ لا مش دى اللي بعدها
فكرت أكثر و قالت
_ إزيك !!
تهدل كتفيه و قال بضيق
_ اللي في النص يا ليلي
_ إبتسمت إبتسامة جانبية و قالت
_ ياسين
إقترب
منها اكثر قائلا بتنهيدة حارة متعمقا في بحر عينيها الازرق
_ أيوة هي ياسين دی
طالعة منك زي الشهد
عقدت ليلي ذراعيها أمام صدرها و قالت له بمزاح ساخر
_ لا يا راجل
إقترب منها حتي بات علي مقربة من لمسها وقال وهو يتطلع أكثر داخل عينها
_ قلب الراجل
تعالت ضحكاتها المازحة و قالت
_ فرصة سعيدة يا ياسين
حاولت تخطيه لتصعد الدرج فأسرع هو قائلا
_ إستني هنا رايحة فين
إلتفتت إليه و قالت
_ عند فريدة طبعا بتسأل ليه !
تنحنح بإحراج و قال
_ لا عادى بس هي فريدة هتهاجر ما هي موجودة
و احنا بنتكلم مع بعض و كده و انتي حلقتيلي و طلعتي
لوت ليلي ثغرها و قالت بتعجب
_ نتكلم هنتكلم في ايه و يا ريت تكون واضح
وضع كفيه بجيبي بنطاله و قال بإبتسامة لعوب و هو يسير نحوها ببطء
_ عادى كنت
عاوز أقولك اني بدعيلك والله و نفسي ربنا يرزقك بعريس
طول بعرض وأسمراني وعنيه بنى وشعره اسود زيي كده وما تتجوزي غيري
رمقته ليلي بنظرة حادة وقالت بإندهاش
_ إيه !! انت تقصد إيه !
استقام راسما الجدية على ملامحه وقال پخوف
_ قلبتى ليه بس استر ياللي بتستر انا بهزر يا ستي أسف
ضحكت علي هيأته وهي تحرك رأسها بتعجب وقالت
_ طب عن إذنك
تركته وصعدت الدرج وعيونه تتبعها لم يرى بجمالها بحياته و لم تحرك به اي فة ما حركته و تحركه ليلي بكل مرة يراها بها أخرج تنهيدة ملتهبة من صدره الملتاع بحبها وقال
_ تيجي مي تشوف البنات اللي على حق ربنا مزة مزة يعني
_ هي مين دى اللى مزة يا واد إنت
انتبه ياسين للصوت الجاهوري بخلفه فالتقت بإبتسامة خوف وقال بتلعثم
_ بابا وحشتني والله فينك يا حاج جاسر مش بتيجي ليه
ضحك جاسر عليه وقال بمكر و هو يهز رأسه بيأس
_ انا فاهمك كويس و لم نفسك احسنلك مفهوم
إرتدى ياسين نظارته الشمسية و قال و هو ينصرف
_ أشوفك بالليل سلام يا
حاج
و تركه و خرج مسرعا صعد جاسر الدرج و قد تلاشت إبتسمته ببطء متذكرا عودة أدهم هو من أخذ قرار عودته كما أخذ قرار سفره و بالحالتين نفس شعور الخۏف يداهمه و يصيبه بالتوتر و الارق
أغمض عينيه و هو يدعو ربه في داخله ان يوفقهم هذه المرة و يقبل كفن أدهم دون ان يتأذي
و عند هذه النقطعة فتح عينيه التي اشتعلتا و هو يقسم بداخله انه و لو خدش إبنه خدش صغير حينها سينفتح باب للدم قد هربوا منه سابقا لن يغلقه سوى قضاء الله
وحده الاشتياق القادر علي تغير حالتك للنقيض رغم انه ثابت
لفت شعراتها علي أناملها بشرود و هي تقاوم شعور الاشتياق الذي يجعل قلبها يطير فرحا لمجرد فكرة عودته عن قريب
بإمكانها إخفاء شعورها عن الجميع دون إستثناء و لكن بداخلها تعلم أنها قد قضت أربع سنوات عمرها في لوعة و ألم
لتتوقف عن حركتها و هي تعقد حاجبيها و قد إرتسم التحدي علي ملامحها فهو لا يستحق لحظة حنين واحدة بعد ان ابتعد عنها بسهولة و تركها بمفردها
لن تشفع له مهما حدث و لا يفرق معها رجوعه من عدمه فهي الآن قوية و تعتمد علي نفسها و ستنجح و تثبت له أنه مجرد شخص او فرد من افراد عائلتها و فقط
أومأت فريدة برأسها مؤكدة و قالت بشرود
_ أيوة كده
رفعت سهي عيناها ناحيتها و قالت بتعجب
_ اټجننتي يا فريدة بتكلمي نفسك
خرجت فريدة من شرودها قائلة بخجل
_ لا مش بكلم نفسي بس بفكر في حاجة كده
أعادت سهي ارتداء نظارتها الطبية و قالت بإبتسامة مراوغة
_ ربنا يرجعك بالسلامة يا سي حاجة كده للبت خلاص مخها هيفوت
كادت فريدة ان تنهال عليها بلسانها و لكن دلوف ليلي عليهم لفت إنتباههما و هي تطرق عالباب و تغني بمزاح
_ وحشتوني و حشتوني وحشتوووني وحشتوا عيوني
طرقت فريدة هي الآخرى علي مكتبها و
غنت معها
_ أهلا أهلا أهلا أهلا بأعز الحبايب أهلا
لتخرج سهى عن صمتها وصاحت بهم قائلة بحنق
_ يا سلام إنتوا هتغنوا وتردوا على بعض ده يوم ايه ده بس يا ربي مش عارفة أشتغل يالا يا بت إنتي وهي بره
ردت ليلي بدلعها المعتاد هي تدلف لداخل الغرفة
_ کده مخمصاکی یا سهی
زمت سهى شفتيها وقالت ساخرة من دلالها المستفز
_ إيه المياصة دى إنشفى شوية يا بت إنتي بلاش دلعك ده
جلست ليلى بجوارها
علي الفراش و هي تخلع حقيبتها و قالت بجدية بعدما لاحظت انهماكها بالعمل علي حاسوبها
_ سيبك من دلعي دلوقتي عندنا كلاس زومبا مش يالا هنتأخر
جلست فريدة على مكتب سهى وهي تتمطأ بكسل وقالت
_ لا أنا النهاردة our مش قادرة اخرج
ردت سهى بجدية بعد أن ضجرت من ثرثرهم الزائدة
_ وأنا كمان ورايا شغل كتير وبصراحة إنتم معطلنی روحوا ذاكروا لكم كلمتين ينفعوكم يالا
غمزت ليلي لفريدة و سألتها بهمس خاڤت
_ مالها دي متعصبة علينا ليه كده
تأففت سهي پغضب فوقفت فريدة مسرعة وقالت پخوف
_ حاضر ما تزقيش يا ساتر عليكي لما بتقفلي قدامي يا لولة على اوضتى نتكلم براحتنا
حركت ليلي كتفيها بتسليم و حملت حقيبتها و خرجت مع فريدة و قد تركوا سهى بغرفتها تكمل عملها حركت سهي عنقها و طقطقت
أناملها و قالت بإبتسامة راحة
_ و أخيرا كده أعرف أشتغل بمزاج بقا
و دأت بالتنقل بين صفحات ملفها و هي تطالع تلك الوجوه الحقېرة و التي تغترف من قوت الشعب دون رحمة او ذرة شفقة علي حال الفقراء خرج صوتها عميق بعمق نظرات التوعد في عينيها و هي تقول بقوة
_ وحياة أمي لكون فاكه لغزكم ده
يا ڼصابين يا حرامية وهكشف غسيل الأموال اللي إنتم شغالين بيه حتى لو كنتم مين في البلد يا أنا يا انتم
تحركت عيناها لذلك الشعار المثبت علي الحائط و الذي كتبته بيدها كي
لا تتغير
_ الوطن للأغنياء والوطنية للفقراء!
عادت لعملها مرة أخرى بإنهماك افقدها حتي الشعور پألم ظهرها من جلستها تلك لساعات
وقت فريدة فجأة بردهة شقتها أمام باب غرفتها و هي تطالع ليلي بنظرات زائغة جعلت ليلي تضم شفتيها بترقب لتلك الکاړثة التي تنتظرها فصادقة السنين كفيلة بأن تجعلها من نظرة واحدة تتعمق بعقل فريدة و تفهم ما يدور به و ينتظرها
خرجت فريدة من صمتها و اقتربت من ليلى وقالت بهمس و هي تتطلع خۏفها بحذر
_ عرفتي إن أدهم راجع
إتسعت عينى ليلى وقالت بفرحة
_ واو بجد احلفي
أومأت فريدة برأسها و أجابتها بملامح مجهمة
_ ايوة راجع و مالك فرحانة كده يا اختي
عقدت ليلي حاجبيها بتعجب و قالت مسرعة
_ و الله المفروض انتي تكوني اللي فرحانة مش انا مالك ضاربة الوش الخشب ليه !
أشاحت فريدة بيدها في وجهها لتقول ليلي لإغاظتها
_ تصدقي نفسى أشوف شكله لما إتغير بقا إيه ده هو مسافر قمر أكيد دلوقتي بقا قمرين بس أيوة يا عم حبيب القلب راجع هنيالك
تطلعت فريدة حولها وقالت بقلق
_ ېخرب بيتك حد يسمعك يا مچنونة كانوا جطعوكي جطيع إنتي ناسية إن أهلى صعايدة
سمعوا صوت بجوارهم يقول ببديهية
_ ما ليلي عندها حق يا فريدة إنتي وأدهم بتحبوا بعض من قبل ما تتولدوا بس مش عارفة إنتي قلبتي عليه ليه لما سافر
توردت وجنتي فريدة و قالت بخجل
_ إيه الكلام ده يا ماما بس ما فيش حاجة من الكلام ده طبعا
تابعت أمها موضحة بجدية وقد قلبت ما بين حاجبيها
_ عليا أنا يا بنت بطني
تأبطت ليلي بذراعها و قالت بتأكيد
_ معاكي حق و الله يا أنطي انا كمان كنت لسه بقولها و الله
إبتسمت سعاد و هي تطالع لمعة عيون ابنتها و تهدج انفاسها و قالت بمكر
_ أهي بقالها فترة عمالة تكابر كده يا ليلي و الكل مستغرب من موقفها جدا
انتي عارفة هما كانوا