الأحد 24 نوفمبر 2024

غير قابل للحب منال سالم

انت في الصفحة 24 من 57 صفحات

موقع أيام نيوز

من شأني بطريقة ملتوية أصاب هدفه وأوغر صدري فاستراح مبتسما ثم قال بمكر الثعالب وكأن وظيفتي معروفة مسبقا
مهمتك شاقة معه فأنا أريد الأحفاد يركضون من حولي.
كورت قبضة يدي المسنودة إلى جانبي محاولة ألا أظهر ضيقي الشديد من تلميحاته المستفزة حافظ مكسيم على سخافة ابتسامته المتكلفة وطردني بلباقة
هيا يا حلوة .. اذهبي.
ودعته دون كلام اكتفيت بابتسامة لطيفة أخفيت ورائها حنفي سلطت نظراتي التي احتوت على بغضا متواريا نحو الباب ثم غادر الغرفة وأنا أبرطم بكلمات ناقمة لم تفارق جوفي مطلقا.
كانت البداية غير موفقة فكيف إذا ستكون النهاية حتما لن تكون كما أرجو تلكأت في سيري وعقلي يكاد ينفجر من عجزي عن التفكير بحثت عن مكان هادئ في هذا القصر المتسع لأجلس فيه بمفردي معزولة عمن حولي لا أريد لأحدهم أن يزعجني الآن فقد تعقدت الأمور وأنا بحاجة للحظات من السلام النفسي لأفكر بذهن صاف فقد بدا وكأن عصارة أفكاري قد جفت من عقلي. خارج هذا القصر الضخم المساحات الخضراء هنا شاسعة متدرجة في خضرتها تتوه فيها من شدة اتساعها لهذا لم أجازف وأتجول فيها بمفردي وفضلت المكوث في الفناء الخلفي والمخصص لدخول وخروج العاملين والخدم.
كان المكان مثاليا للظفر بعزلة بسيطة ففي هذا الوقت عادة يكونوا مشغولين بتحضير الطعام.
جلست بالقرب من أحد أحواض الظهر على العشب الأخضر وارتكنت بظهري على الحاجز الحجري لأتطلع بعدها في السماء الزرقاء بنظراتي الحائرة فركت جبيني عدة مرات ولساني يردد في تحير أكبر
ما العمل الآن
نفخت في سأم يائس وتابعت وشعوري بالعجز ينتشر في أعماقي
لا أستطيع إخبار آن.
عبست ملامحي وأكملت بلا صوت
حتما ستجن وقد ترتكب حماقة جسيمة.
أرحت يدي على العشب النضر فشعرت بملمسه الطري على جلدي أبقيت ناظري على الفضاء السماوي وخاطبت نفسي
إنها متحمسة للتعليم والرياضة كيف
أقضي على أحلامها ببساطة
انتفضت كليا في جزع عندما سمعت صوتها ينادي
نظراتي ناحيتها متوترة بلعت ريقي وابتسمت لأخفي خۏفي تمددت على الأرضية إلى جواري وهتفت في تشوق
كنت أبحث عنك وأنت تختبئين هنا
رددت ممازحة وأنا أرفرف بجفوني
أنا لا أختبئ فقط كنت أستريح.
سألتني دون مقدمات
هل قابلتي مكسيم هل تحدثت معه
صمت لهنيهة وتحاشيت التطلع إليها وقلت كڈبا
لم أتمكن.
على ما يبدو لم تستوعب كلامي فسألتني مستفهمة
ماذا تقصدين لم أفهم.
ازدردت ريقي ورسمت بسمة مهزوزة على ثغري موضحة لها
هو مشغول طلب مقابلتي لاحقا.
علقت ساخرة في سخط وهي تعيد ذراعيها للخلف لتستند على كفيها
بالطبع
ارتفع صوتها نسبيا مع جملتها الأخيرة لذا حذرتها في توجس وأنا ألتف حولي برأسي لأتأكد من عدم متابعة أحد لنا
اخفضي صوتك.
ردت في تصميم كأنما تعاندني
هل أقول غير الحقيقة
نفخت في ضيق وهتفت وأنا أحيد بنظراتي عنها
إذا لا تشتكي إلي حينما يضايقك أحدهم.
قالت في تبرم
حسنا سأصمت.
ابتسمت في امتنان لانصياعها بالرغم من نظرات الاحتجاج الظاهرة على وجهها سكت لدقيقة إلا من صوت أنفاسي العميقة كان مسموعا إلى حد ما وظللت ألف خاتم الخطبة في لفات رتيبة متكررة حول إصبعي كحركة لا شعورية مني إلى أن لفتت آن انتباهي بقولها
أرى أن الخاتم قد أعجبك.
توقفت عن تحريكه ونظرت إليها متسائلة ببلاهة طفيفة
ماذا
أشارت بعينيها نحوه مفسرة
لم تتوقف يدك عن العبث به.
عللت بنبرة غير ثابتة وأنا أبسط أناملي
أنا فقط متوترة آن لهذا أديره حول عقلتي إنه لا شيء.
استعدت لتنهض من جواري وقالت في إحباط
أخشى أن ترضخي ريانا وتنتمي لهم.
جزع قلبي لتصريحها وهتفت نافية في لوعة وأنا أراها تهم بالمغادرة
لا تقولي هذا لن يحدث أبدا.
قمت من مكاني لألحق بها أوقفتها بالإمساك بذراعها وعاهدتها مؤكدة
أنا لن أتركك لهم.
صاحت في حدة وهي تشيح بذراعها الآخر
كيف إن كانت كل الأبواب تغلق في وجهك!!
نطقت بنزق وكأني أمنحها حلا سحريا لتصمد
سأحاول مع فيجو.
نظرت إلي مليا بعدم تصديق وخاطبتني في تهكم سافر
وهل رأس الشيطان هذا يسهل خداعه
وفقا لأفعاله فإنها أعطت الوصف المناسب لشخصه فمن نتحدث عنه يتسم بذكائه الحاد وبدهائه الكبير وبالتالي أنا أمام معضلة حقيقية. لاحظت آن سكوتي فقالت
ألست محقة
جاوبتها في تردد
نعم.
كانت على وشك الذهاب لكني قلت فجأة لأجعلها تقف في مكانها مذهولة وبفم مفتوح
سأجعله يقع في حبي!
لو لم أكن متيقظة ذهنيا ولا أشكو مرضا لظنت شقيقتي أني أعاني من الهذيان أو الحمى وإلا لما نطقت بهذا التصريح المخيف الذي أصابني بالتلبك والارتجاف في نفس الوقت! أبصرت نظراتها نحوي كانت تعبر عن دهشة عظيمة التزمت الصمت لأراقب ردة فعلها كانت متجمدة متجهمة الوجه للحظات قبل أن يتحول عبوسها إلى ضحكات هازئة مستخفة بي. لم أقاطعها وتركتها تستمتع بسخريتها فأنا مثلها لا أصدق ما أفصحت عنه يكفي أن أكون سببا في التهوين عليها. من بين ضحكاتها رددت وهي تشير بيدها
أنت تمزحين
كټفت ساعدي أمام صدري وأخبرتها في وجه جاد التعبيرات وكذلك بتصميم عجيب
بالطبع لا سأجعله يعشقني حتى النخاع يذوب قلبه في حبي.
مطت فمها في استهزاء أكبر فتغاضيت عن علامات السخرية الجلية لأتابع
ووقتئذ سأطلب منه إرسالك بعيدا إرضاء لي.
توقفت عن الضحك ووضعت يديها على خصرها لتقول في مرارة
أنت حالمة
من كلامها المفعم بالأسى بدت المصائر محتومة لا سبيل للخلاص أطبق الصمت علي ونظرت إليها بتخبط استشفت عجزي عن الرد عليها فزادت من توضيحها
لئلا أحلق في سماء الأحلام كثيرا
كما أني لا أظن أنك ستنجحين في إخضاعه بأكذوبة الحب.
تحليت بفضيلة الصبر وخاطبتها في تعقل وأنا أحل تشابك ساعدي لأضع كفي على كتفيها
هزت رأسها في استنكار وأصرت قائلة
ما زالت عند رأيي.
ضغطت برفق على عظام ترقوتها وأكدت لها ببسمة صغيرة
لا تتشاءمي.
جاءني ردها مباشرا
لا أريد التعلق بأوهام واهية فلا تحاولي رجاء.
أكدت لها بعناد
صدقيني سأنجح.
أزاحت يدي عنها والټفت عني هاتفة
لن تفعلي!
سرت إلى جوارها متسائلة في غرابة
لماذا هل تشكين في قدراتي
توقفت عن المشي لتستدير ناحيتي مجددا نظرت في عمق عيني مؤكدة بحقيقة ما زالت غير قادرة على الاقتناع بها
لا ولكنه غير قابل للحب!
منحتني هذه النظرة الواثقة لتربت على جانب ذراعي ثم ولت مغادرة وبقيت في مكاني أشيعها بنظراتي وهي تختفي عني لأسرح بعدها في أفكاري المتخبطة بعد نقاشنا الجاد هذا محاولة إعادة تقييم الوضع وفقا للمستجدات فيها.
غير قابل للحب جملة قاسېة تبرز مدى صعوبة ومشقة مهمتي كيف بأي حال سأجعل هذا القاټل المجرد من الإنسانية منزوع المشاعر يهيم بي شوقا حقا أن أتحدث عن معجزة إلهية في وقت لا تحدث فيه المعجزات! فماذا عني أنا ريانا هل أهتم بمساعدة شقيقتي بالفعل أم أنها مجرد حجة منطقية أقنع بها نفسي لأتغاضى عما يراودني من آن لآخر حين يتواجد فيجو في محيطي هل أستغل ظروفها وأطيعها على طريقتي لأشبع شيئا يبزغ بداخلي
ارتجفت للفكرة وحاولت ألا أعزز من هذه المشاعر السخيفة مستنكرة إياها بشدة ومؤكدة لنفسي
أنا لست هذا الشخص اللئيم ولن أدع هذه الخواطر الغبية تعاود الظهور في عقلي.
يبدو أن البقاء بمفردي لمدة طويلة يجعلني أنساق وراء ما لا أحب لهذا بقدر ما أستطيع دفعت هذه الأفكار بعيدا عن ذهني وانتصبت في جلستي مرددة في جدية تامة وبصوت خفيض
سأفعل ما أفعله لأخرج آن من هنا فقط لا غير!
نهضت بعدها من موضعي لأخرج

________________________________________
من الشرفة رافضة أن أدع نفسي لوحدتي التي تستثير في كياني ما لا أحبذه.
ذهبت بعد برهة إلى غرفة الاستقبال حيث كانت تجلس والدتي لم أرها معظم اليوم اختفت على نحو غامض وحتى وقت الغذاء لم تكن حاضرة وشقيقتي أرادت الاستلقاء في غرفتها فتركتها على حريتها لأفتش عن صوفيا بعد أن عرفت بعودتها. اعتقدت أنها ذهبت مع مصممة الديكور للإشراف على وضع التصاميم النهائية فقد تم تخصيص مكان غير هنا لإقامة حفل الزفاف تجنبا لمخاطر التعرض للهجوم أسرعت في خطاي واتجهت إليها ناديتها عدة مرات فلم تنتبه لي مما أصابني بالشك والقلق حين وقفت خلفها وجدتها تحدق بتركيز شديد في صورة فوتوغرافية قديمة تتموضع في المنتصف بين عدة شباب حاملة لرضيعة صغيرة.
كانت صوفيا آنئذ في أوج صباها وجمالها الفاتن تبتسم بسعادة وبهجة. أمعنت التدقيق في تفاصيلها بدا من حولها مألوفين لي لقد كانوا مثلها في أعمار أصغر. قلت مبهورة وأنا أجلس على مسند الأريكة لأتأملها معها
أوه صوفيا إنها رائعة.
حركتها والدتي للجانب قليلا لأراها بوضوح فسألتها في فضول
من أين أتيتي بهذه الصورة
أجابتني بعد تنهيدة متمهلة
كانت معلقة على الجدار في منزل رومير.
اندهشت لخروجها من القصر الذي بدا كسجن أبدي لجميع من يمكثون فيه وسألتها في عدم تصديق
هل ذهبت إلى هناك اليوم
أومأت برأسها قائلة
نعم اصطحبني أفراد الحراسة إلى بيته ووجدتها معلقة فأخذتها.
لن أنكر أني شعرت بالغيرة قليلا لتنعم والدتي بقدر من الحرية على عكسي لم أفارق جدران هذا القصر رغم اتساعه وكأنه محظور علي وطأ ما يتجاوز أسواره العالي. عدت للانتباه لكلامها عندما تابعت
أنا
أخرجتها من الإطار لأنظر إليها.
اقترحت عليها بابتسامة منمقة
يمكننا أن نضعها في واحد جديد لونه فضي.
استعادت الصورة ڼصب عينيها واستطردت في ألم محسوس في نبرتها
أتعلمين في هذه الصورة ملخص حياتي.
وافقتها في وصفها الدقيق فإلى اليسار كان يقف والدي يحاوطها من كتفها وأنا أجثو على ركبتي بثوب منفوش أما على اليسار فوقف خالي رومير وإلى جواره أندرو كانوا جميعا يضحكون في مرح. أشرت بإصبعي نحو أحدهم قائلة باشتياق وهناك حز خفيف في قلبي
ذلك أبي.
رأيت الحزن ينعكس على ملامح والدتي وهي ترد
نعم العزيز توماسو.
هتفت في حماس يشوبه الدهشة
لا أصدق أندرو كان رفيعا للغاية.
نظرت إلي بعد أن ضحكت وعلقت
نعم لا أعرف ما الذي أصابه ليسمن سريعا كما أنه كان صديق والدك قبل أن أتزوج به.
على حسب الأعراف المتبعة في عائلات الماڤيا حين يتوفى الزوج ويترك أرملة صغيرة بمفردها مع صغار ضعاف يتم تزويجها لأقرب شخص على صلة وثيقة بالعائلة وممن ينتمون للچماعة وهذا ما حدث مع أمي بعد اغتيال توماسو تقدم أندرو لخطبتها وتزوجا بعد بضعة أشهر لرعايتنا وتولي شئوننا. ملت نحو والدتي بعد أن وجدت الدموع محتجزة في مقلتيها حاوطها بذراعي لأضمها إلي وأنا أقول
كلاهما في النعيم الآن لا تحزني.
ردت في هدوء
أتمنى ذلك.
شتت أحزانها بقولي الساخر وأنا أشير نحو هيئتي
انظري إلي كنت أشبه الدمي.
رفعت يدها لتداعب وجنتي بدلال وعقبت
بل أجمل بكثير.
ابتسمت لتدليلها وأصغيت إليها وهي تقول
كنت في عامك الرابع على ما أظن.
أشرت نحو الرضيعة هاتفة في صيغة تساؤلية بمرح
أهذه آن كانت تشبه الملائكة.
اهتزت رأسها بهزة خفيفة حين جاوبتني
نعم كانت صغيرة للغاية.
كنا في ميلانو آنذاك في فيلتنا الصغيرة ذات الحديقة المحدودة بعيدا عن هذه المدينة الموحشة الغارقة في أشباح المۏت لكنها كانت جنتنا اللطيفة بعيدا عن العصاپات وحاصدي الأرواح. كنت مسترخية التعبيرات وهي تكلمني
لا تزال تفاصيل هذه الصورة حاضرة في ذهني رغم أني لا أتحدث عما
23  24  25 

انت في الصفحة 24 من 57 صفحات