الأنشودة التاسعة و الثلاثون حصري
انت في الصفحة 7 من 7 صفحات
هذا الذنب لذا حين اقترب منه حازم يقول بخزي و نبرة متوسلة
_ مش هقدر اقولك سامحني . عشان عارف أنه صعب. بس هقولك حاجة واحدة بس . لو مۏتي هيكون تمن راحتك انا موافق . والله موافق يا سليم و هكون مبسوط كمان
لم يكمل جملته فقام سليم بجذبه داخل أحضانه پعنف وهو يبكي هو الآخر فقد تغلبت مشاعره على غضبه و لم يستطع إلا أن يقول بلهفة
وضع بين شقي الرحى من ناحية غضبه و غيرته مما حدث في السابق و من ناحية أخرى مشاعره تجاه شقيقه الذي يحتضنه بقوة و كأنه القشة التي ستنقذه من الهلاك .
_ يالا ندخل جوا .الحرس حوالينا في كل مكان.
تراجع سليم ولكن يد حازم لم تفلته بل ظل متمسكا به ليهتف بخفوت
_ ادخل البيت يا سليم ولا لا
_ طبعا تدخل يا حازم دا كلام
_ لو سمحتي يا ماما .مش هدخل غير لو سليم قالي ادخل .
الټفت إلى سليم قائلا بابتسامه هادئة
_ لو مش عايزني ادخل انا مش زعلان . انا كفاية عليا اني شوفتكوا . مش عايز حاجه من الدنيا تاني.
حاول منع تلك الغصة التي تشكلت في حلقه وهو يقول بنبرة متخشرجة
توجه سالم يعانق شقيقيه و هو يأخذ كل واحد منهما تحت ذراعيه قائلا بنبرة حاول صبغها بالمرح
_ يالا منك له وحشتني قعدتنا سوى .انا فضيتلكوا البيت كله علشان ناخد راحتنا.
ابتسم حازم بسعادة محاولا تجاهل مرارة الندم التي تمتد من الحلق إلى القلب و حاوط والدته بيديه ل يتوجها إلى الداخل فإذا به يجد شقيقته تحاول أن تتقدم منه ببطنها المنتفخ فهرول هو إليها خوفا من أن يصيبها مكروه ليحتويها بين ذراعيه بقوة و يقبل رأسها وسط عبرات غزيرة توحي بمقدار الندم و الشوق من جهته و قد كان له نصيبا كبيرا من ذلك الشوق بقلبها فهتفت قائلة
حازم بندم
_ سامحيني يا حبيبتي. أنت كمان اتأذيتي بسببي
حلا بلهفة
_ اوعى تقول كده تاني . انا افديك بروحي يا حازم . انت روحي اصلا .
بعد وقت قليل تجمع الأشقاء لأول مرة منذ زمن بعيد فقد كانت عيني أمينة تناظرهم بعدم تصديق هل حقا ما تراه هل تجمع أبنائها فلذات كبدها معا مرة أخرى
_ أحمدك يارب و أشكر فضلك . نولتهالي قبل ما أموت.
_ ايه يا أم سالم مش هتشوفي الأكل جهز ولا ايه حازم اكيد وحشه أكلك .
أضاف حازم بلهجة ودودة منكسرة
_ لا وحشني . انا مدوقتش حاجه حلوة من بعده .
تناثرت عبراتها بشدة وهي تحاول النهوض بمساعدة حلا التي تلقت نظرة ذات مغزى من سالم لتقول أمينة بلهفة
دلفت أمينة الى الداخل بينما سالم ڼصب عوده واقفا وهو يقول بمزاح
_ هروح اشوف سليم الصغير صاحي ولا لا فرح ما صدقت جبناله مربية عشان تساعدها هربت و سابته للغلبانه اللي فوق اكيد جابلها اڼهيار عصبي .
اومأ حازم بابتسامة حانية ليخرج سالم تاركا الشقيقان بمفردهما فلابد أن هناك ما يقال بينهم ولكن بالرغم من ذلك فقد دام الصمت لدقائق فقط نظرات متبادلة ليتحمحم سليم قائلا
_ عامل ايه
حازم بهدوء
_ الحمد لله.
اومأ سليم بصمت فأردف حازم بلهجة مشجبة
_ طمني عليك
سليم باختصار
_ بخير الحمد لله.
كان هناك الكثير مما يختبيء خلف ذلك الصمت الذي قرر حازم قطعه قائلا بابتسامه بسيطة
_ مش انا بقيت بصحى اصلي الفجر كل يوم
ابتسم سليم بهدوء قبل أن يقول باندهاش
_ بجد !
حازم بلهفة
_ اه والله. دا انت مش هتصدق . أنا كمان بقيت بصلي القيام حتى انا ختمت المصحف اربع مرات الشهر اللي فات مرة في القيام و مرة قراءة و بقيت احفظ كمان و بصوم .
كانت لهفته في الحديث لها وقعا قويا على قلب سليم الذي يشعر بأن من أمامه هو ذلك الفتى الذي لم يبلغ من العمر الخامسة عشر قبل أن ټشوهه الحياة . نعم هي تلك البراءة و ذلك النقاء الذي يشع من عينيه و نبرته الهادئة في الحديث و ابتسامته البسيطة .
ترى هل بعض الدلال يفسد المرء ليحوله إلى وحش ! التغافل عن أخطاء يظنها البعض بسيطة قد يخلق انسانا جاحدا لا يبالي لأحد!
و هل الإفراط في العطاء ينمي بذرة الأنانية و الجشع في النفوس إلى هذه الدرجة
كلها أخطاء في ظاهرها بسيطة ولكنها يمكن أن تؤدي إلى كوارث كالذي حدث مع شقيقه الذي قرر الآن أن يعطي نفسه فرصة لمسامحته لذا قال بلهجة ودودة
_ ما شاء الله. فرحتني اوي.
حازم بنبرة تقطر ندما
_ ياريت اكون سبب فرحتكوا ولو لمرة واحدة. مش عايز غير كدا.
حاول تجاهل تلك الغصة بقلبه وقال بلهجة خشنة
_ خليك على الطريق اللي انت ماشي فيه دا و أن شاء الله مش هيحصل غير كل خير . مفيش حاجه في الدنيا دي أحسن من أن الإنسان يكون مع ربنا . احنا اصلا اتخلقنا عشان نعبده .
حازم بتأثر
_ ونعم بالله . تعرف لما كنت بتقولي الكلام دا زمان . كنت بتضايق وبتخنق . بس دلوقتي انا حاسه لدرجة أن قلبي بيدق لما بسمعه.
ابتسامة هادئة لونت ثغر سليم قبل أن يقول
_ ربنا يهديك كمان و كمان و ينور بصيرتك .
_ امين يارب العالمين.
هكذا اجابه حازم ليقرر سليم البدأ في الحديث لذا قال بهدوء
_ طبعا أنا لازم اشكرك عشان أنقذت حياة مراتي .
لم يريد حتى ذكر اسمها أمامه وقد تفهم حازم الأمر فقال بخفوت
_ متشكرنيش انا كان لازم اعمل كدا .
لم يطيل في الأمر انما تابع حديثه قائلا
_ انا عارف طبعا ان ماما وحشاك و بيتك كمان واحشك و من حقك ترجع تعيش هنا تاني و عشان كدا انا هاخد مراتي و امشي.
تفاجيء حين اجابه حازم مازحا
_ ايه يا عم ارجع فين ارجع اعيش في البيت الكئيب بتاعكوا دا ! لا يا سيدي انا ليا خططي . اقعد انت في بيتك براحتك . انا ناوي اعمل بيت ليا لوحدي و انتوا ابقوا تعالوا زوروني فيه و بالمرة تدوقوا اكلي . اخوك بقى شيف قد الدنيا.
اندهش من طريقة حديثه و مراعاته لشعوره و أيضا كيف أنه حول الأمر إلى مزحه حتى ينهيه بلباقة فوجد نفسه يبتسم بهدوء قبل أن يقول
_ والله انت فاجئتني بالموضوع دا.
حازم بمزاح
_ و لسه هتنبهر لما تدوق .
على غفلة منه وجد نفسه يشاطره مزاحه قائلا
_ ربنا يستر و منتسممش كلنا .
أرتج صدره حين وجد سليم يبادله المزاح فهتف وابتسم قائلا بلهفة
_ لا متخافش . والله انا مبكذبش عليك . انا فعلا بقيت بعرف اطبخ . انا اتغيرت اوي يا سليم و اوعدك مفيش اي حاجه هتيجي من ناحيتي تضايقك تاني . او تضايق اي
حد فيكوا.
لهفته و توسل عينيه يوحيان بصدق حديثه لذا رفع يديه ليربت بقوة فوق ساقه وهو يقول بلهجة يشوبها الحنان
_ مصدقك يا حازم وانا اوعدك أنك هتلاقيني جنبك لو احتاجتني في أي وقت.
كان هناك رغبة قوية تنازع داخله ولا يجروء على البوح بها ولكن كلمات سليم شجعته ليقول بخفوت
_ انا عارف اني ماليش عين اطلب منك حاجه . بس . بس في حاجه . انا . كنت . كنت . نفسي اطلبها منك .
تحفزت جميع خلاياه و تقاذفت دقاته ليقول بترقب
_ اطلب .
حاول اختيار كلماته وداخله يرتعب من الرفض ليقول بتلعثم
_ كنت . كان نفسي . بعد . اذنك يعني . لو وافقت . ينفع اشوف محمود
يتبع.